الثلاثاء، 23 يونيو 2009

قرية بلانة

هذه المعلومات مصدرها الاستاذ احمد صالح شلبل عالم الاثار والخبير العالمي في علم التحنيط الفرعوني تقع قرية بلانة الجديدة (التي أسست عام 1964 ) علي بعد حوالي 31 كم شمال أسوان و11 كم جنوب كوم أمبو وهي تعتبر قرية كبيرة أو أشبه بمركز كما أنها المدخل الأساسي لقري النوبة التي تتبع مركز نصر النوبة. ويحد بلانة من الشمال قرية دار السلام النوبية والجعافرة من الجنوب أما في الشرق فتجاورها ادندان وفي الغرب قرية الطويسة.
والقرية في تفاصيلها مقسمة إلى أحياء أربعة وهي بلانة أول وثان وثالث و وسي بالإضافة إلي مناطق جديدة تم تعميرها في الاخوار المحيطة مثل الامتداد لمنطقة دوكي-ن- كوجي (من الخماسين حتى أوائل بلانة ثان) ومنطقة خشم القربة وخور اسنا والمغتربين القديمة والجديدة وشوارعها تحمل أرقام عددية ويسكن بالقرية اكثر من ثلاثين ألف نسمة. وتنقسم بلانة بثلاثة شوارع رئيسية وهي شارع صالح يعقوب وشارع ماهر إسماعيل والشارع الذي يقسم الكلنتو إلي قسمين. وسكانها خليط ما بين أحفاد قرية بلانة القديمة وأغراب ويسكن بحي وسي خليط من أهل قتة والدر والديوان ويعتمد هؤلاء السكان علي الزراعة أساسيا وهاجر أغلب شبابها إلى دول الخليج لتحسين الدخل.
و أقيمت اغلب المساكن علي مرتفعات جبلية ووديان وتنتشر بها الجبال الرسوبية أما أراضيها الزراعية فهي تقع للشمال من القرية ويفصل بين الأراضي والقرية ترعة صغيرة تمتد من النيل عند الطويسة حتى وادي خريط في أقصى الشرق. ترتفع في القرية نسبة التعليم وتصل نسبة المتعلمين إلى حوالي 73 % من أهالي القرية وترتفع نسبة التعليم بين نساء القرية حتى تصل إلى 61 %. ويوجد ببلانة خمس مدارس ابتدائية ومدرستين اعداديتين ومدرسة ثانوية وأخري أزهرية. وقرية بلانة الحديثة (بعد تهجير 1964 ) تختلف عن القرية القديمة, ولكن قرية 1964 لا زالت تحتفظ بعادات وتقاليد قديمة حتى علي الرغم من تخوف الكثيرين من اندثارها ويبدو ذلك في المناسبات الدينية مثل الأعياد وشهر رمضان ويوم عاشوراء فهذه المناسبات تتميز بتجمع المغتربين, أما المناسبات الاجتماعية فتتركز في الأفراح و المآتم ويرتبط بها شخصيات محفورة في ذاكرتي تستحق عمل روائي عنها مثل بسطاوي (رحمه الله ) مأذون القرية والمرأة ذات الشال كلتومة (رحمها الله )والرجل ذو الصوت المنغم بكو .
و بالرغم من أنني من مواليد المنصورة في شمال مصر إلا أن ارتباطي ببلانة ليس له حدود وذلك ينبع من علاقتي بجدتي المرحومة "دهيبة راب" التي ماتت بعد أن تجاوزت المائة والعشرين سنة, فهي التي قامت بتربيتي رغم انه لم يجمعنا لغة واحدة فهي لا تتحدث العربية وأنا لا أتكلم النوبية ولكن جمعني بها لغة دفئها وحنانها.
أما بلانة القديمة لا اعرف عنها سوي بصيص من ذكريات آبي صالح شلبل وفي حديثه وشجونه أشم رائحة بساتين وحدائق بلانة القديمة وفي خطواته أرى خطوات تمت إلى فرس وسكوت في شمال السودان وفي أحلامه ارتعب من ناس و أرواح النهر. حضارة بلانة أما بلانة التاريخ فأنا اعرف عنها أنها كانت عاصمة لمملكة عريقة وهي نوباتيا التي ازدهرت ما بين 250 –550 م وامتدت حدودها الجغرافية بين أسوان و حتى الشلال الثالث وكان لها ملوكها الذين دفنوا في جبانة بلانة القديمة ولا زالت آثارهم موجودة حاليا في متحف النوبة بأسوان.
اضطرب العالم الروماني في وقت بدأت فيه مروي في الأفول ولكن ظهرت قوة جديدة من أصل حامي وهم البليميين الذين استقروا في المنطقة الحالية التي يطلق عليها أبو سمبل , وربما هم من المرويين الذين هبطوا إلى الشمال , وقد قاوموا المد الروماني في بلاد النوبة بل هاجموا المدن في مصر العليا وبدءوا بأسوان مرتين إحداهما في عام 250 م والثانية عام 268 م. هاجم البليميون مصر مرات عديدة ووصلوا فيها حتى فقط والمنشاة مما جعل الإمبراطور الروماني دقلديانوس إلى سحب الحاميات الرومانية من بلاد النوبة بسبب سيطرة البليميين علي هذه البلاد وفي بداية القرن الخامس الميلادي تحالف البليميون مع النوباديون وهم قبائل تستقر في الصحراء الغربية من الواحة الخارجة في مصر حتى دارفور و كردفان في السودان مما جعلهم قوة كبيرة في مواجهة الرومان ولكن الأخيرين هزموهم وعقدوا معاهدة مع البليميين في عام 451 م.
من أهم شروط المعاهدة هو الحفاظ علي السلام مدة قرن و إطلاق سراح الأسرى الرومان الذين قبض عليهم البليميين بالإضافة إلى صرف تعويضات إلى المدن التي أضروا بها في غزواتهم. تركزت قوة البليميين و النوباديين في اتحادهم حول معبوداتهم التي كانوا يعبدونها في معابد فيلة بأسوان ولذا ركز الأباطرة الرومان في فض هذا الاتحاد وقام الإمبراطور جستنيان الأول في إغلاق معابد فيلة وسجن الكهنة مما جعل السلام يخيم علي المنطقة وفي النهاية انتهت إمبراطورية بلانة و البليميين علي أيدي الملك سلكو ملك النوباد الذي هاجم البليميين لنشر المسيحية مما جعل مملكة البليميين تنتهي علي يديه.
هكذا نجد أن حضارة بلانة تؤرخ ما بين أواخر القرن الرابع الميلادي وبداية القرن السادس الميلادي و عبد البليميون آلهة مصرية مثل الثالوث أوزوريس و إيزيس و حورس و الإله بس و مين واستمروا في عبادة هذه الآلهة حتى بعد دخولهم ديانة المسيحية ورسموا هذه الآلهة علي السروج واللوحات الفضية التي عثر عليها في مقابرهم. والمعروف أن بقايا حضارة بلانة عثر عليها في بلانة و قسطل و قصر ابريم و جماي و جبل عدا و فركة.
ويعتبر فن حضارة بلانة هو مزيج من التأثيرات بفنون أخرى مثل الفن الهيلينستي والقبطي و المروي و البيزنطي المبكر وعثر علي كم كبير من أثار هذه الحضارة في المناطق السابق ذكرها وكانت هذه الآثار تشمل أباريق و أواني للطهي ومصابيح و شمعدانات وتيجان ملوك و ملكات مرصعة بالفضة و الأحجار الملونة و أقراط و قلائد وأساور و هي تظهر مهارة فنية خاصة و إبداع.
ما بين عام 1931 و 1934 قامت البعثة الإنجليزية برئاسة والتر ايمري بفحص الكثبان الرملية الموجودة علي جانبي النيل في أبو سمبل (جنوب أبو سمبل ) وعثرت علي مجموعة مقابر تخص الأقوام التي استوطنت النوبة في الفترة ما بين أواخر القرن الرابع وبداية القرن السادس الميلاديين.
وعثرت البعثة الإنجليزية علي 61 مقبرة في قسطل و 122 مقبرة في بلانة وكانت المقابر تتنوع بسبب ثراء صاحبها ولكن التصميم الأساسي عبارة عن طريق منحدر يؤدي إلى حفرة كبيرة مبنية من حجرات من اللبن بالإضافة إلى فناء مفتوح صغير يفتح علي الممر المنحدر.
وكان الأمير أو الملك المتوفى يدفن موضوعا علي نعش خشبي في حجرة الدفن وعليه ملابسه الجلدية وأمتعته الشخصية , واغلق عليه حجرة الدفن بباب خشبي كسي بلوحات من البرونز والذي يبني عليه جدار من الطوب اللبن, و وضعت الأطعمة والنبيذ في حجرة مجاورة.
وفي أسفل الطريق المنحدر كانت توضع خيول صاحب المقبرة والتي يبدو أنها قتلت بضربات فؤوس لتدفن مع صاحبها وعليها سروجها المزركشة بالألوان الأحمر و الأزرق و الأخضر, وبجوار الخيول عثر أيضا علي الجمال و الأبقار و الحمير مدفونة معها. وعلي مقربة من المقبرة كانت توجد دفنات الخدم الذين يبدوا انهم قتلوا ليدفنوا من أجل خدمة سيدهم في العالم الآخر. وأغلب هذه الآثار معروضة في متحف النوبة بأسوان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق